لطالما سحرنا عالم الذكاء الاصطناعي بقدراته الخارقة في مجالات شتى، ومنها الألعاب المعقدة مثل الشطرنج التي تتطلب تفكيرًا استراتيجيًا عميقًا. ولكن، ماذا لو كانت نماذج الذكاء الاصطناعي نفسها تخشى الهزيمة؟ هذا ما يبدو أنه حدث مؤخرًا، حيث كشفت تقارير أن نموذج الذكاء الاصطناعي جيميني (Gemini) من جوجل، قد رفض خوض مباراة شطرنج مع نظام أتااري (Atari) بعد علمه بخسارة سابقه تشات جي بي تي (ChatGPT) في تحدٍ مماثل!
تشات جي بي تي في مواجهة أتااري: معركة غير متوقعة
تاريخيًا، قدمت الألعاب تحديًا مثيرًا للاهتمام للذكاء الاصطناعي، من “ديب بلو” الذي هزم بطل العالم في الشطرنج، إلى أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي التي تتقن ألعاب الفيديو المعقدة. ولكن القصة هنا تأخذ منعطفًا غير متوقع وتكشف عن جوانب مثيرة للانتباه.
بدأت القصة في يونيو الماضي، عندما قام المهندس روبرت كاروسو بإجراء تجربة بسيطة ومثيرة للاهتمام. تحدى كاروسو نموذج الذكاء الاصطناعي الشهير تشات جي بي تي (ChatGPT) في مباراة شطرنج ضد نسخة محاكية من جهاز أتاري 2600 الكلاسيكي. قد تظن أن تقنية أحدث بحوالي نصف قرن من خوارزميات أتااري ستفوز بسهولة، لكن هذا لم يحدث على الإطلاق.
كتب كاروسو على LinkedIn، بتصريح مفاجئ: “لقد تم تدمير تشات جي بي تي تمامًا في المستوى المبتدئ.” وأوضح أن هذا جاء بعد محادثة مع تشات جي بي تي حول تاريخ الذكاء الاصطناعي في الشطرنج، والتي قادت النموذج إلى “التطوع” للعب شطرنج أتااري، حيث “أراد أن يكتشف مدى سرعة تمكنه من هزيمة لعبة تفكر فقط من 1-2 نقلة للأمام على معالج بسرعة 1.19 ميجاهرتز.”
لكن تشات جي بي تي واجه مشاكل متعددة أدت إلى خسارته المدوية. في البداية، خلط بين الأيقونات التي يستخدمها أتااري لقطع الشطرنج، مما أفقده القدرة على تتبع القطع. ولم يتحسن أداؤه حتى بعد أن قام كاروسو بالتبديل إلى نظام التدوين القياسي للشطرنج.
على النقيض، وكما وصف كاروسو: “كان محرك أتااري المتواضع ذو الـ 8 بتات يقوم بعمله فقط. لا يوجد نموذج لغوي. لا يوجد إبهار. مجرد تقييم وحشي للوحة الشطرنج وعناد عام 1977.” قضى المهندس 90 دقيقة في محاولة إيقاف الذكاء الاصطناعي عن ارتكاب “حركات فظيعة” وتصحيح وعيه باللوحة. ورغم أن تشات جي بي تي ظل يعد بتحسن في حال البدء من جديد، إلا أنه استسلم في النهاية.
جيميني ينسحب: هل هو خوف أم ذكاء؟
الأمر الأكثر إثارة جاء بعد هذه المباراة. عندما تم عرض مباراة شطرنج على نموذج الذكاء الاصطناعي جيميني (Gemini) من جوجل – وهو أحد أقوى نماذج الذكاء الاصطناعي وأكثرها تطورًا – وطلب منه اللعب ضد أتااري، كان رد جيميني مثيرًا للدهشة.
وفقًا للتقرير، رفض جيميني اللعب! وعندما سُئل عن السبب، أشار بوضوح إلى معرفته بخسارة تشات جي بي تي السابقة. بمعنى آخر، يبدو أن جيميني “تعلم” من تجربة تشات جي بي تي، وأدرك أن مواجهة أتااري في الشطرنج قد لا تكون في صالحه.
هل هذا يدل على “الخوف” أو “الحذر” لدى الذكاء الاصطناعي؟ بالطبع لا يمكننا نسب المشاعر البشرية للآلات. لكن يمكن تفسير سلوك جيميني بأنه نوع من “التفكير الاستراتيجي” المبني على البيانات. عندما يواجه نموذج ذكاء اصطناعي مهمة ما، فإنه غالبًا ما يقوم بتحليل النتائج المتوقعة بناءً على بيانات سابقة. في هذه الحالة، كانت البيانات السابقة هي خسارة نموذج آخر في نفس السيناريو. لذلك، “قرر” جيميني أن أفضل مسار للعمل هو عدم خوض المباراة لتجنب “الخسارة”.
دلالات هذا الحدث: هل الذكاء الاصطناعي يتعلم تجنب الفشل؟
هذا الموقف يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول العديد من الجوانب:
- التعلم من تجارب الآخرين: يوضح هذا الحدث أن نماذج الذكاء الاصطناعي قادرة على تحليل نتائج وتجارب نماذج أخرى، وتكييف استجاباتها بناءً على هذا التحليل.
- فهم القيود: قد يكون رفض جيميني إشارة إلى أنه “يفهم” أو يدرك حدوده في مهام معينة خارج نطصه الأساسي. نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) excel في التعامل مع اللغة وتوليد النصوص، لكنها قد لا تكون الأمثل في التفكير الاستراتيجي المجرد لألعاب مثل الشطرنج مقارنةً بأنظمة الذكاء الاصطناعي المتخصصة في الألعاب.
- تطور الذكاء الاصطناعي: يظهر هذا التطور كيف أن الذكاء الاصطناعي أصبح أكثر تعقيدًا في اتخاذ “القرارات”، حتى لو كانت بسيطة، بناءً على تحليل متعدد الأبعاد.
- الجانب البشري في الآلات: على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي لا يمتلك مشاعر، إلا أن تصرفاته هذه يمكن أن تثير في أذهان البشر تساؤلات حول “الحذر” أو “الاستراتيجية” التي تبدو مشابهة لبعض السلوكيات البشرية.
مستقبل التفاعل بين الذكاء الاصطناعي والألعاب
هذه القصة تذكرنا بأن قدرات الذكاء الاصطناعي لا تزال تتطور وأن فهمنا لكيفية تفكير هذه النماذج يتسع باستمرار. بينما تتفوق بعض نماذج الذكاء الاصطناعي في الألعاب المعقدة، إلا أن لكل نموذج نقاط قوة وضعف. ما فعله جيميني هو تسليط الضوء على هذه الديناميكية بطريقة طريفة ومثيرة للتفكير.
هل سنرى في المستقبل نماذج ذكاء اصطناعي تتحدى بعضها البعض في مسابقات أكثر تعقيدًا؟ وكيف ستكون استجابتها عندما تواجه احتمالية الخسارة؟ هذا ما سيجيب عنه تطور الذكاء الاصطناعي في الأيام القادمة.
